اختارهم القدر ليخدموا البشر في مجالات صعبة وحساسة، فبعضهم يعمل لساعات في مجال الصرف الصحي، أو تصليح السيارات، أو النقاشة وغيرها من الوظائف التي تحتاج لمجهود بدني كبير، ومنها يرتدي هؤلاء الأشخاص ملابس يشوبها مع الوقت آثار تلطخ مظهرها.
وعلى هذه الهيئة، يسعى بعضهم إلى أداء فريضة الصلاة في بيوت الله، إلا أنهم ربما يتعرضون، في أحيان بعينها، إلى مواقف غير لطيفة، كإعادتهم إلى الصف الأخير أو افتراش حصيرة للصلاة عليها، وذلك لتجنيبهم من بقية المصلين.
وربما يشعر العامل، حال تعرضه لهذا الموقف، إلى نفور من الصلاة داخل المسجد، أو الامتناع عن أداء الفرائض نتيجة عدم توعيتهم بلطف من قبل مسؤولي النظافة في بيوت الله، بجانب نهرهم والتشكك في صحة صلاتهم، وهو ما استدعى الحديث إلى المتخصصين في هذا الشأن.
تعقيبًا على ما سبق، تقول الدكتورة آمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، إنه يجب أن يكون هناك توعية بأن المسجد يريد الإنسان نظيفًا طهورًا، فلا يضير العامل أن يدخل إلى الميضة حتى يتطهر ويمسح على ملابس وظيفته، ويُنصحوا بذلك دون اللجوء إلى منعهم أو إذلالهم، فإذا تصرف على هذه الشاكلة لن يضايق من يجاوره.
وتضيف «نصير»، أنه يجب وضع صابون قوي الرائحة في ميضة المساجد، بحيث حينما يدخل العامل لغسل يديه يكتسب رائحة طيبة، بجانب التوعية الظريفة اللطيفة لتقويم العاملين، حتى من باب أن تقبل صلاته لطهارته، لأن الدعوة تحتاج إلى نوع من الذكاء في التعامل معهم.
وتردف «نصير»: «يجب ألا نذله بالعفريتة التي يرتديها، إنما نبدي له أهمية الحرص على صلاته حتى تقبل من الله، ويُشترط ألا تحتوي الملابس على أي نوع من النجاسة التي تنقض الوضوء والصلاة، وهو ما ينطبق على العاملين في الصرف الصحي، فيجب عليهم إزالتها بالغسيل، لا المسح الذي يتعلق بالأتربة».
تقترح «نصير» أن توفر المساجد ملابس نظيفة بتبرعات أهل الخير ليرتديها هؤلاء العمال، حتى يؤدي صلاته بها، لبناء مودة وحب دون كره، على أن يعيدها لعهدة المسجد عقب نهاية الفريضة: «يجب أن نأخذ بأيديهم إلى الأفضل، ولو غُلب أمرهم يفوتوا عليا أدفع لهم، فنحن نبحث عن الإنسانيات في هذا الدين ونشجعهم على الارتباط بالصلاة».
أما بالنسبة للعاملين في مجال النقاشة، تؤكد «نصير» أن مواد الطلاء لا تنقض صلاةً ولا وضوءً، فيدخل العامل ويؤدي الفريضة ببقعه الملونة دون مشكلة.
من جانبه، يوضح الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن هناك فرق بين صحة الصلاة وقبولها، فالأخيرة هي من الله عز وجل، أما صحيحها هي للمخلوق، أي لو أدى الشخص فريضته بأركانها وشروطها تكون صحيحة: «ممكن الفرد يستوفي الأركان والشروط وصلاته لا تُقبل».
ويشير «كريمة، لـ«المصري لايت»، إلى أن صلاة هؤلاء العاملين صحيحة، مهيبًا بالناس بألا يرجعوهم إلى الخلف أو يفترشون لهم الحُصر إلا في حالة واحدة، لو أن هذا الموظف في ملابسه زيت أو تشحيم ويُخشى على فُرش المسجد من التلوث، فيصلي على حصيرة، لكن إذا كان يمتهن مهنة عادية لا توجد غضاضة في صلاته بين المسلمين، فزمان كان يصلي الجزارون وغيرهم.
ينوه «كريمة» إلى أن شروط الصلاة هي طهارة البدن والثياب والمكان، وفي حال فقدان العامل لأحد هذه الشروط فمن المفترض أن يحمل في حقيبته جلبابًا أو ملابس تخص الصلاة فقط: «ربنا قال في كتابة العزيز (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)»، وحال امتداد ساعات عمله لفترة طويلة يجوز أن يجمع كل صلاتين معًا، أي الظهر والعصر سويًا بركعاتهما الأربعة، والمغرب والعشاء بركعاتهما.
على الجانب الآخر، يرى «كريمة» أنه من المفترض أن يكون لعمال المساجد ثقافة في التعامل مع هذه الحالات، لأن مثل هذه المواقف تحتاج لفطنة والذكاء لاحتوائها، ولعدم جرح شعور العامل حتى لو كان عامل في الصرف الصحي، هو بني آدم له كيانه، فالله يقول: «ادْعُ إلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ».
تعليقات
إرسال تعليق