طرح هذا التساؤل والإجابة عليه صارت ضرورة ملحة لدى كثير من المصريين، وذلك إثر تصريح مثير للجدل أطلقه وزير المالية المصري، محمد معيط، زاعما أن الجنيه المصري يُعد ثاني أفضل عملة في العالم من حيث القوة.
تصريح معيط، المثير للجدل في الأوساط الاقتصادية جاء بالمؤتمر المصرفي العربي السنوي، الأحد، حيث أرجع هذا التصنيف لمؤسسات عالمية لم يسمّها، فيما استبعد أن يواجه "الجنيه أي ضغوط، وأن يستمر على هذا النحو عام 2020، مع تذبذب محدودة في نطاق 16 جنيه مقابل الدولار".
حديث للاستهلاك المحلي
وحول حقيقة حديث الوزير المصري، والمؤشرات التي تدل على صدق حديثه من عدمه، أكد الخبير الاقتصادي المصري الدكتور أحمد ذكرالله، أن "السلطة المصرية بصفة عامة ووزراءها المختلفين دأبوا مؤخرا على إعطاء مجموعة تصريحات تستهدف بالأساس الداخل المحلي وليس الخارج".
الأكاديمي المصري أضاف بحديثه لـ"عربي21"، أن "الخارج يعرف حقيقة الأوضاع الاقتصادية المصرية جيدا؛ وعندما تخاطب الحكومة المصرية الخارج تُظهر الأرقام الحقيقية"، مدلالا على ذلك بما حدث لأرقام السياحة المصرية والتي كشفتها الحكومة لأول مرة بصورة صادمة في نشرة كتاب في سندات مصر للأسواق الدولية.
رئيس قسم الدراسات الاقتصادية، بأكاديمية العلاقات الدولية، بتركيا، قال إن "الحديث عن المؤشرات المصرية بصورة كلية لاسيما الحديث عن أن الجنيه المصري ثاني أفضل عملة بالعالم؛ هو حديث للاستهلاك المحلي الدائم للإدارة المصرية بمواجهة ظروف طاحنة تصب على المصريين".
وفي رصده لرحلة الجنية، أكد أنه "بعد عام 2013، وقبيل قرار التعويم في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، كان الدولار يساوي نحو 7.5 جنيهات، وبعدها بعام فقط ومع الأزمة المالية وأزمة قلة العملة الأجنبية وظهور السوق السوداء؛ اضطر البنك المركزي لتخفيض قيمة الجنيه لـ9.5 جنيهات، في قرار أول".
وأضاف: "وجاء بعد ذلك قرار تحرير سعر الصرف لينخفض الجنيه بصورة غير مبررة لما يقارب 20 جنيها، ثم تراجع واستقر عند 18 جنيها بآخر عام، ثم تراجع مرة أخرى ليستقر عند حدود 16.25 جنيها مؤخرا".
واستنتج أستاذ الاقتصاد، من هذا الاستعراض بأن "الجنيه المصري انزلق بالخمسة أعوام الأخيرة بهوة سحيقة من 7.5 جنيهات بمقابل الدولار إلى 16.5 جنيها الآن"، مضيفا "وبالتالي فأي قياس لا بد أن يأتي على هذا الأساس".
أقرأ أيضا: "معركة المؤشرات".. هل يتعافى اقتصاد مصر أم ينهار؟ (ملف)
وأوضح أن "الجنيه تراجع بأكثر من 100 بالمئة من قيمته بخمس أعوام، وبالتالي فقياس أية تحسينات على أداء الجنية يجب أن يكون على معيار ما كان عليه وليس على معيار تناقص حدث لظرف أو آخر مؤخرا".
أما الجزء الأهم من وجهة نظر ذكرالله، فهي أسباب تراجع الجنية الفترة الماضية والتي اعتبرها كثيرة ومتنوعة ولكن "أهمها انكماش الطلب المحلي الذي هو أهم أسباب مشكلة الاقتصاد المصري بصفة عامة".
وأوضح الخبير الاقتصادي رؤيته بالقول: "بمعنى أن القدرة الشرائية للمواطنين انخفضت للغاية بعد التعويم، ولم تسطيع السياسة النقدية والمالية للحكومة تقديم حلول لتعويض ما فقدته القوة الشرائية المصرية".
وتابع: "ولم يقدم الإنفاق الحكومي قدرا مماثلا لما فقدته القوة الشرائية للمواطنين، ولم تقدم الأدوات النقدية من أسعار فائدة أو حجم نقود وغيرها ما يكفي لتعويض ما فقدته القوة الشرائية؛ والنتيجة الإجمالية هي انخفاض القوة الشرائية، وانخفاض الطلب المحلي، وحالة الركود التي يعاني منها السوق المصري منذ 4 سنوات كاملة".
ذكرالله، أشار إلى أن "هذا كله أدى لمجموعة أشياء منها انخفاض الطلب المحلي، وانكماش القطاع الخاص، كما أظهره مؤشر مديري المشتريات لبنك دبي- الإمارات الذي يقيس القطاع الخاص غير النفطي بمصر والذي كشف عن أن هذه المؤشرات كانت سلبية بمعظم شهور السنوات الأربع الماضية".
ويعتقد الخبير المصري، أن "السبب الرئيسي لذلك هو انكماش الطلب المحلي الاستهلاكي، والطلب المحلي الاستثماري من القطاع الخاص، وبالتالي فإن مجمل الطلب المحلي يعاني من ركود كبير أدى لانكماش الطلب على الدولار للأغراض المختلفة بصورة كبيرة وبالتالي ارتفاع قيمة الجنيه".
وأكد أن "ما يقال أن هناك زيادة واردات؛ كانت نتيجة للسلع الرأسمالية وكلها تدخل بمشروعات بعيدة عن استثمار القطاع الخاص وما تتطلبه العاصمة الإدارية وما يسمى بالمشروعات القومية؛ ما أدى لزيادة الواردات في 2018، لتستمر بنفس المعدلات في 2019".
وختم الأكاديمي المصري، بقوله: "نحن أمام زيادة زائفة بالواردات الرأسمالية؛ لا تعبر بالفعل عن حال النشاط الاقتصادي، ونستطيع القول إن العوامل المؤثرة بتحسن قيمة الجنيه لم تكن نابعة من قوة الاقتصاد المصري بقدر ما كانت عبارة عن تقشفات اقتصادية تحمل المواطنون أعباءها بصورة كبيرة جدا".
أقرأ أيضا: تحذير من مخاطر "الأموال الساخنة" على اقتصاد مصر لهذه الأسباب
"تجميل بعيدا عن الحقيقة"
وفي إجابته على التساؤل: هل هذا الخطاب الذي يستخدم في الداخل كدعاية سياسية لتطمين المصريين يصلح لمخاطبة المؤسسات الاقتصادية والمستثمرين الجانب ولجذب الاستثمارت الأجنبية؟، يرى أستاذ التمويل والاقتصاد بجامعة صباح الدين زعيم التركية أشرف دوابة، أن حديث الوزير معيط هو "كلام للاستهلاك المحلي فقط".
رئيس الأكاديمية الأوربية للتمويل والاقتصاد الإسلامي، أوضح لـ"عربي21"، أنه، "قد يكون من الممكن أن يتحدث عن ثبات العملة أو تناقصها؛ ولكن هذا كلام لا محل له في الجانب الاقتصادي".
وأضاف أنه "كي تقيس قيمة عملة ما يجب النظر كم تساوي وحداتها من السلع الموجودة بالسوق، كما يجب قياس ذلك عالميا حول ذات العملة فكم تساوي من العملات الأجنبية".
ويرى دوابة، أن "العملة المصرية بالفعل ضعيفة، والجنيه لا يساوي شيئا، لكن كون البنك المركزي المصري عبر سياسته النقدية اليوم يقوم بعمل شيئ تجميلي لا يعني ذلك نجاحا بهذا الإطار".
وختم حديثه بالقول: "للأسف الشديد هذا يدخل في مبدأ تجميل الاقتصاد بعيدا عن النواحي الحقيقية للاقتصاد المصري".
تعليقات
إرسال تعليق